قصة ثبات .... !!!
لم آت اليوم لأكتب قصة ثباتي في نقابي أو غيره, فقصتي ليست أجمل و لا اصدق من قصص أخرى كثيرة تحكي عن ثبات صاحبتها. اليوم جئت لأكتب عن خلاصة التجربة, لأنها أهم فصل في القصة, فالقصة لا يستفاد منها إلا عبرتها, فأشخاصها و أبطالها عناصر متكررة, قد تتكرر في أي قصة. لكن تبق العبرة أهم عنصر من عناصرها و في كل قصة عبرة و إن تكررت الأشخاص و الأحداث ...
حين نقرا مثل هذه القصص ( قصص الثبات ) يتبادر لذهننا اسئلة, البعض ربما تكون اجابته حاضرة, و البعض محتارين. هل ان كنت انا مكان صاحبة القصة هل كنت لاثبت مثلها ؟! هل كنت ساتغلب على خوفي ؟! و هل كان ايماني ليساعدني ؟! هل فعلا عندي ذلك الايمان الذي استند عليه في مثل هذه المواقف ؟! هل حقيقة هي حرب ام اننا نصورها كذلك ؟! هل هو فعلا جهاد ام خيال ؟!
و اسئلة اكثر من هذه قد تتبادر لاذهاننا حين نقرا مثل هذه القصص.
و من تجربتي يا اختي الغالية ساجيب عن هذه التساؤلات, و اسال الله التوفيق و السداد اليه ...
اعلمي اختاه انها حرب على جميع الاصعدة, فجيل الاباء تاثر بالاستعمار الذي كان موجودا في زمانه, و ظهرت ثقافة الاستعمار واضحة, بالتخلي عن الدين, و تحكم العادات و التقاليد, و ربما الكثير منا يتذكر ان امه او خالته او من كان في ذاك الجيل, كن يخرجن بملابس قصيرة, و تسريحات الشعر كانت مميزة و الماكياج كان امرا عاديا. و جاء الان بعدهم جيل عنده تفتح للدين الاسلامي اكثر, و يريد للدين ان يعود, فمن الطبيعي ان تحدث حرب يدافع كل منهم عن معتقداته.
كما ان التكنولوجيا ساهمت كثيرا في تعلم الدين الاسلامي و نشره, و سهلت الامر كثيرا. و العالم يذهب الى حرية التعبير و الراي, و هذه الامور كلها توجد الاختلاف و اينما وجد الاختلاف وجدت الحرب.
كما اننا باقترابنا من نهاية العالم, تزيد الكوارث و المصائب, و الانسان حين يمر بموقف صعب او شديد, فانه قطعا يكتشف ان الخير في الدين, فيتمسك به. كثيييير من الافراد مروا بكوارث شديدة, جعلتهم يعيدون النظر في حياتهم, و يعرفون ان الدين الاسلامي هو الحق, خاصة فئة الشباب.
و امور كثيرة و اسباب كثيرة, لكن النتيجة انها حرب بين الحق و الباطل ...
و اعلمي اختاه انها حرب على عدة مستويات, الحرب الاولى, ليست مع الافراد, انما هي حرب بينك و بين نفسك, بينك و بين خوفها او بين نفسك و محظوراتها و شهواتها. فربما لا ترغبي بالامر برغم الحاح اخواتك اللواتي تتوسمي فيهن الخير, و اقناعك من قبلهن بانه امر طيب و ستجدي فيه الخير الكثير, كما انه رضا لله ...
و ربما خائفة من ردة فعل صديقاتك او الاهل او ردة فعل الزوج, او المجتمع حتى. هو خوف من المجهول, هل ساثبت ام لا ؟؟!! الى أي مدى قد تصل ردة الفعل هذه ؟؟!!
و قد واجهت مثل هذا الخوف كثيرا, بل هو من اخرني و عاقني عن الخير. فالخوف امر طبيعي و وارد جدا, و اول اسبابه الجهل بالامر الذي تريدين الاقدام عليه.
يجب ان تحيطي نفسك باسوار العلم, اقرئي عن النقاب و ما يقال فيه, استمعي لخطب او محاضرات عنه, اسالي اهل العلم الذين تتوسمي فيهم الامانة و الخير, فالعلم اقوى سلاح. و اعلمي ان الايمان لا ياتي الا بعد علم, و ذاك الايمان الراسخ, فقد قال تعالى: (( انما يخش الله من عباده العلماء )) فالخشية تستلزم المعرفة التامة بمن نخافه, فهو خوف عن علم بعظمة من نخشاه.
تعلمي عن سماحة الدين, و قوة الايمان و اثرها, تعلمي كيف تنصاع الظروف و كل المخلوقات بل الكون كله لرب البريات ان اراد بعبد خيرا و اراد له الثبات.
ستجدي بعد فترة ان شيئا في قلبك يتحرك عن النقاب مثلا, و بدا شيئا بداخلك يلح عليك به, و يدفعك للتقدم. و هذه تكون نقطة البداية او لحظة الصفر.
هناك طريقة يمكن من خلالها ان تمتصي ردود الفعل او تقللي من شدتها. حدثي اهلك او زوجك عن النقاب, و امتصي ردة الفعل الاولى, ثم انتظري شهرا مثلا, ثم حدثيهم مرة ثانية عنه.
حتى اذا ما حانت لحظة اعلان الخبر و كنت مستعدة للبسه, عندها ستكون ردة الفعل بسيطة, و يمكنك تحملها بيسر باذن الله تعالى.
تلك كانت الحرب الاولى, او النزاع الاولي, بينك و بين نفسك, و بدون التغلب عليها لن تتمكني من التقدم خطوة واحدة.
تاتي مباشرة بعد هذه الخطوة لحظة البدء, و هي الاصعب من حيث تطلبها للشجاعة, فان كان خوف النفس يمكن التغلب عليه بالعلم, فهذه الخطوة تتطلب اكثر من ذلك. فهي و الله بحق اصعب لحظة.
لانك تحتاري متى تبدئي, او هل انت فعلا تسيري على الخطى الصحيحة ؟؟!! و اعلمي انه برغم كل علم يمكن ان تتسلحي به, فانه لن يفيدك هذه اللحظة, الا يقينك بذلك العلم. فلا يكفي ان تقرئي عن مشروعية النقاب و اراء العلماء فيه, بل يجب ان تؤمني بمشروعيته, و تتيقني انه عمل يقربك الى الله. و ذلك حتى تطلبي منه الاعانة لمواصلة هذا العمل و تثبيته و ان يبارك لك مشوارك. فبدونه و بدون توفيقه و معونته, ستكون الخسارة في صفك حتما.
و اكثر ما يعينك على هذه اللحظة, هو الدعـــــــــــــــــــــاء بتيسير الامر من الله تعالى, و توجيهك لما فيه الخير و السداد و الثبات.
بعد الخطوة الثانية, يبدا الفصل الاخير من القصة, من قصة الحرب بين الحق و الباطل. بعد الخطوة السابقة تبدا ردود الفعل و كيفية مواجهتها.
و هو امر هين مقارنة بنقطة البدء, فاذا بدا النزاع وجب الثبات, و عدم التخلي, و مواجهة الامر و عدم الفرار, لانها اللحظة الفاصلة, فان خسرتها, فاعلمي ان الامر سيكون اسوا في المرات القادمة, و ربما لا تتمكني من التقدم مطلقا. لكن ان ثبت فالاحداث ستجري للاهون باذن الله تعالى و الايسر باذن الله, و سيكون امرا مفروضا, سرعان ما يتاقلموا عليه ...
في خضم النزاع, ستعتريك لحظات ياس او شك, خاصة ان كنت وحدك فيها, بلا مواس او معين سوى الله. فقد تحدثك نفسك: ايعقل ان كل هذه الحرب لاجل هذا ؟؟!! هل اثبت ؟؟!! هل يعقل اني الوحيدة الصائبة بين هذه الجموع ؟؟!! اهلي, احبابي, هؤلاء الناس الذين احببتهم و تنازلت عن اشياء كثيرة لاجلهم, فجاة تغيرت الموازين و انقلبت, البارحة كنت بينهم العزيزة, و اليوم الذليلة, لكن باذن الله عند الله اكون الفائزة.
في مثل هذه اللحظات, تذكري القبر, و تذكري يوم القيامة, و ان كل حبيب و قريب و غريب و ام و اب لن يغنوا عنك شيئا, و لن يخففوا عنك في الميزان, فكل ياتي بعمله (( يوم يفر المرء من اخيه, و امه و ابيه و صاحبته و بنيه )) انما يحاسب الله الناس فرادى يوم القيامة. و من جميل ما قد يخفف عنك هذه الفترة و الوحده, الاستماع للاناشيد التي تصف الجنة و جمالها, و هذه نصيحة طيبة من احدى الاخوات الغاليات على قلبي. فبها سترتفع معنوياتك و تثبتي باذن الله.
في هذه المرحلة ايضا, اهم ما انصحك الاهتمام به هو الاخلاص, لانه اصعب شيئ فيها, فستختلط عليك امور كثيرة, قد تضيع عليك عملك كله, فيجب تفقد النية دوما, فهل ستلبسيه لاجل اخواتك ؟؟ او لاجل ان تفتخر بك معلماتك ؟؟ ام لاجل الله و ابتغاء فردوسه ؟؟
خلاصة القول اخية ...
هذه كلها امور ثانوية مساعدة, تعينك على تخطي الامر, لكن الجنة بروعتها و جمالها تستحق هذا و اكثر, كم جميل و رائع ان تبشري بالفردوس في حياتك قبل مماتك, و كم جميل ان ينظر الله اليك فلا يرى منك الا ما يحب, فينظر لك نظرة رضا فيرفعك بها درجات نحو العلى, و يرزقك منه مغفرة و اجرا عظيما. و ذلك هو الفوز العظيييييم ....
كم تكون الحياة رائعة حين تخرج الدنيا من قلبك و يستوطنه حب الاخرة و نعيمها. و كيف ذلك الا بمحاربة اهل الدنيا و متاعها, صدقا ستشعري انك تعيشين في عالم اخر, مهما اصابك فيه من الدنيا فانك لا تبالي, لان السكينة غشت قلبك و ملاته. ما اجمل هذه المشاعر, و ما اجمل ان نصل اليها و نحسها ...
هناك معان عظيمة و اشياء كثيرة تستحق منك ان تجاهدي لاجلها. فلا رفعة بلا جهاد. و ما اروع ان تتذوقي حلاوة الايمان في قلبك, فالله الله على حلاوة الايمان ... لا تقولي عسل و لا تقولي عنبر و لا غيره يمكن ان ينوب عن وصف حلاوة الايمان ...
نظرة اخيرة احب ان الفت انتباهك لها, و هي الاهم ....
بثباتك اخيه تمهدي و تيسري هذه الامور للاجيال القادمة, و تسهمي في نقل دين صحيح, و لا تستهيني بهذه الامور. فانت كام منتقبة ستسهلي على ابنتك او بناتك لبس النقاب مستقبلا, و بالتالي يزيد عدد المنتقبات, و سيصبح امرا مالوفا في المجتمع, و بالتالي سيقل خوف الاهل و الاقارب و الناس عامة على بناتها من النقاب و نظرة الغرب لهن. و ايضا ستسهلي على المنتقبات دخول ميادين العمل, فهذا من سبيل التعود على زي النقاب في المجتمع.
و ايضا الطفل الذي يولد في اسرة يرى امه فيها منتقبة, مستقبلا سيطالب بزوجة منتقبة, و ايضا ستنمي عنده الغيرة على نسائه, و هذه امور كلها لصالحك و في ميزانك باذن الله تعالى.
كذلك بنقابك و ثباتك فيه, قد تشجعي و تفتحي ابواب لاخواتك او زميلاتك في العمل, فهناك نفوس تحب الخير, لكن شهوات نفوسها ماتزال تجذبها, اما مع وجود زميلة منتقبة, مؤكد ان الامر سيكون اسهل و اجمل ...
تقبلوا مني فائق الاحترام
أم إيلاف